فوضى المحتوى على الإنترنت ينادي بتحديث تشريعي لحماية الصالح العام
في ظل الانتشار الواسع للمحتوى "الرديء" على وسائل التواصل الاجتماعي مثل يوتيوب، تيك توك، وفيسبوك، نجد أنفسنا أمام واحدة من أكبر التحديات في العصر الرقمي. مع التوسع الهائل لهذه المنصات، أصبحت المسألة أكثر تعقيدا، حيث تؤثر على القيم والأخلاق العامة، وتطال الأفراد والأسر والمجتمع بشكل عام. في هذا الإطار، تطرح فكرة تعديل القانون رقم 70.17، الذي ينظم قطاع الصناعة السينمائية، ليشمل أيضا رقابة وتنظيم المحتوى الرقمي. فهل يمكن أن يكون هذا التعديل هو المفتاح لمواجهة هذه الظاهرة بشكل فعال؟
أولا : التحديات والفرص في مراقبة المحتوى الرقمي
قبل استعراض إمكانية تعديل القانون رقم 70.17 لمراقبة المحتوى الرقمي، ينبغي النظر في عدة نقاط أساسية تتعلق بطبيعة هذا المحتوى والتحديات المرتبطة بمراقبته. يتميز المحتوى الرقمي على وسائل التواصل الاجتماعي بتنوعه الواسع وسرعة انتشاره وصعوبة ضبطه، مما يجعله مختلفا جذريا عن المحتوى السينمائي التقليدي. إذ يتم تداول المنشورات والصور ومقاطع الفيديو بشكل فوري، ويمكن أن تصل إلى جمهور واسع خلال فترة زمنية قصيرة للغاية، الأمر الذي يتطلب استخدام تقنيات وأدوات خاصة تختلف بشكل كبير عن تلك المستخدمة في الرقابة على الأفلام السينمائية.
من الأهمية بمكان أن يتم تطبيق عملية مراقبة المحتوى الرقمي مع الحفاظ على حرية التعبير، التي تعد حقا دستوريا مكفولا بموجب الفصل 25 من الدستور المغربي. يتعين تحقيق توازن دقيق بين حماية المجتمع من المحتوى الضار وضمان حرية التعبير، حيث قد يؤدي تشديد الرقابة إلى تقييد الحريات الفردية وإعاقة الإبداع.
علاوة على ذلك، فإن توسيع اختصاصات المركز السينمائي المغربي ليشمل مراقبة المحتوى الرقمي يتطلب تزويده بالموارد البشرية والمادية المناسبة. ويشكل هذا الأمر تحديا كبيرا نظرا للموارد المحدودة والاحتياجات المتنوعة للقطاعات الأخرى، مما يستدعي دراسة دقيقة لتحديد جدوى تعديل القانون وقدرة الجهات المعنية على تنفيذ هذه المهمة بفعالية.
ثانيا : تعزيز الرقابة الرقمية بين القانون والدستور
عند مناقشة إمكانية تعديل القانون رقم 70.17، من الضروري أخذ النصوص القانونية الأخرى في الاعتبار التي يمكن الاستناد إليها لتعزيز هذا التوجه. يركز القانون رقم 70.17 على تنظيم قطاع السينما ولا يتناول بشكل مباشر مراقبة المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي. ومع ذلك، يمكن تعديل هذا القانون ليشمل التنسيق مع الجهات المعنية الأخرى في مجال الرقابة الرقمية، مثل وزارة الشباب والثقافة والتواصل والنيابة العامة، وكذلك تعزيز دور المركز السينمائي المغربي في توعية صناع المحتوى وتعزيز الإبداع بما يتماشى مع القيم والأخلاق العامة.
فيما يتعلق بالدستور المغربي، فإن الفصل 25 يؤكد على حق حرية التعبير، شريطة احترام القانون والأخلاق العامة. ويمكن الاستدلال بهذا الفصل لتأكيد ضرورة أن تتم عملية مراقبة المحتوى بطريقة تحترم حرية التعبير، دون تجاوز حدود القانون.
أما على مستوى مجوعة القانون الجنائي المغربي، فإنه يجرم بعض الأفعال المرتكبة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بما في ذلك التحريض على الكراهية والعنف، نشر الأخبار الزائفة، والمساس بالحياة الخاصة. ويمكن الاستناد إلى هذا القانون لتعزيز دور الجهات الأمنية والقضائية في متابعة وملاحقة مرتكبي هذه الأفعال وفقا للإجراءات القانونية المعتمدة.
إلى جانب ذلك، تلتزم المملكة المغربية بالمعاهدات الدولية التي صادقت عليها في مجال حقوق الإنسان، والتي تضمن حرية التعبير وتمنع التحريض على الكراهية والعنف. حيث تشكل هذه الالتزامات عنصرا جوهريا من التزامات المغرب الدولية ويجب أخذها بعين الاعتبار عند مناقشة أي تعديل قانوني يتعلق بمراقبة المحتوى الرقمي.
ثالثا : إجراءات ذكية لحماية القيم في العالم الرقمي
لمواجهة تحدي انتشار المحتوى الضار على وسائل التواصل الاجتماعي، يمكن اعتماد مجموعة من الحلول التي من خلال فكرة تعديل القانون رقم 70.17 إلى جانب تدابير أخرى مكملة. يتمثل التعديل المقترح للقانون 70.17 في توسيع مهام المركز السينمائي المغربي ليشمل التنسيق مع الجهات الأخرى المعنية بمراقبة المحتوى الرقمي، مما يعزز قدرة الدولة على مواجهة هذا المحتوى دون المساس بحرية التعبير. بالإضافة إلى ذلك، يمكن إنشاء هيئة مستقلة تضم خبراء في مجال القانون والإعلام والتكنولوجيا، تتولى مهمة مراقبة المحتوى وضمان توافقه مع القيم المجتمعية والمعايير الأخلاقية.
كما أن تعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية، مثل وزارة الشباب والثقافة والتواصل والنيابة العامة والجهات الأمنية، يعد ضرورة لتنسيق الجهود في مواجهة المحتوى الضار وتحقيق نتائج شاملة وفعالة. من جهة أخرى، يجب توعية صناع المحتوى بأهمية احترام المعايير الأخلاقية وقوانين النشر، وذلك من خلال تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية تنظمها الهيئات المختصة كالمركز السينمائي المغربي.
ولتحفيز تقديم محتوى ذي قيمة إيجابية، يجب تشجيع إنتاج المحتوى الجيد الذي يراعي القيم المجتمعية والأخلاقية، وذلك عن طريق تقديم الدعم المادي والمعنوي لصناع هذا النوع من المحتوى، مما يسهم في تحفيز المزيد من المبدعين على إنتاج أعمال ذات تأثير إيجابي على المجتمع.
في صميم النقاش، يشكل انتشار المحتوى "السيء" على منصات التواصل الاجتماعي تحديا كبيرا يتطلب تنسيقا شاملا بين كافة الأطراف المعنية. يمكن أن يمثل تعديل القانون رقم 70.17 لتوسيع صلاحيات المركز السينمائي المغربي ليشمل الرقابة على المحتوى الرقمي خطوة حاسمة، شريطة أن يتم هذا التعديل مع مراعاة التوازن بين الرقابة وحرية التعبير.
إن الاستناد إلى النصوص القانونية المعمول بها، كالدستور والقانون الجنائي والمعاهدات الدولية، يضفي دعما قويا على هذه الجهود ويؤسس لإطار قانوني متين يحمي المجتمع دون المساس بالحريات الأساسية.
مستشار قانوني وباحث في العلوم القانونية